الفنانة بلقيس متهمة بسرقة ألحان أغنية جزائرية و صاحبها الشاب كادار الجابوني متواطئ

 



مجددا نجد أنفسنا أمام جزء جديد من السلسلة الهزلية المغربية بعنوان "أتمنى أن أكون جزائري". هذه السلسلة الكوميدية التي لا نكاد نغمض أعيننا حتى تخرج لنا بموسم جديد أكثر إضحاكاً و إمتاعاً من الذي سبقه؛ تعدت كل حدود التوقعات هذه المرة. لكن الغريب في الأمر أن بطل هذا الموسم شخصية من الوزن الثقيل و هذا ما لم نعتد على رؤيته في المواسم السابقة؛  فعلى ما يبدو أن مخرجين هذه السلسلة يرغبون في إضحاك أكبر عدد من الناس بإقحامهم شخصيات لديها قاعدة جماهيرية كبيرة على غرار المغنية اليمنية ذائعة الصيت "بلقيس فتحي" بطلة هذا الموسم من السلسلة.

يعرف عن المغنية اليمنية تعلقها الشديد بدولة المغرب الأقصى نتيجة لإرتباطها بالكثير من الأصدقاء المغاربة الذين تعرفت عليهم من خلال الاقامة في دولة الامارات؛ و نشأت بينهم علاقات وطيدة و نتيجة لذلك قامت بعدة زيارات الى مدن المغرب و أقامت عدة تعاونات مع فنانين و مصممين مغاربة؛ فهذه ليست أول مرة تغني بها باللهجة المغربية المزعومة فقد سبق لها وغنت هذه اللهجة في أغنيتها التي أصدرتها قبل أربع سنوات من الآن و بالضبط سنة 2019 و التي كانت بعنوان "تعالى تشوف"؛ لتصدر بعدها بسنتين و تحديدا عام 2022 أغنية "صابرة" التي قامت بتصويرها في جبال الاطلس المتوسط الموجودة في المغرب؛ حيث استعملت أنذاك في الكوفر صورة لها بحلي جزائري محض و هو الجبين الشاوي الغني عن التعريف والذي اشتهر به امازيغ الأوراس المعروفين بإسم الشاوية؛ و نالت على إثره الكثير من الإنتقادات من طرف الجزائريين و لحقتها إتهامات بالتواطىء مع المغاربة في سرقة التراث الجزائري العريق. لكن يبدو أن هذه الأخيرة لم تتعلم من تجربتها السابقة و لو قليلاً وعادت لتقع في خطأ أكبر و أعظم مما سبقه. و نحن نتحدث بالضبط عن تتر المسلسل المغربي "بين لقصور" لرمضان 2024 الذي سيعرض على قناة MBC 5 طيلة أيام رمضان.

تتر المسلسل المغربي "بين لقصور" لرمضان 2024 الذي كان بعنوان "شكون كان يقول" تم طرحه بتاريخ 12 مارس من أداء الفنانة بلقيس و كلمات و تلحين المغربي "يونس آدم" وفق مزاعم و تداعيات هذا الأخير. لكن اتضح لاحقا أن ألحان هذا التتر مسروقة من تتر مسلسل "الخاوة" الجزائري و الذي عرض قبل 7 سنوات من الآن بالضبط في رمضان 2017؛ و الذي أداه أنذاك المغني الجزائري "كادار الجابوني" بعنوان "احكي يا زمان". ليس هذا فحسب بل ذهبوا أبعد من ذلك بكثير فقد كانت كلمات الأغنية جزائرية مئة بالمئة؛ و لم تحتوي على أي كلمة من الدارجة المغربية التي تشتهر بإضافة حرف الكاف في بداية كل كلمة؛ و هي بعيدة كل البعد عن الدارجة الجزائرية المشهورة في أغاني الراي و أغاني الشعبي الجزائري و الطابع الاندلسي و الحوزي و غيرها من الطبوع الموسيقية الجزائرية. حتى أن موضوع الأغنية المغربية "شكون كان يقول" هو نفسه موضوع الأغنية الجزائرية "احكي يا زمان" حيث أن الأصلية تحكي على العداوة و الظلم بين الإخوة و تناولت المزيفة نفس الموضوع.

يعرف عن المغاربة هوسهم بكل ما هو جزائري من أغاني تراثية و ألبسة تقليدية وصولاً إلى الحلي الجزائري الذي أصبحوا يعتمدونه في كل مناسباتهم إضافة الى الأكلات و الحلويات؛ لكن الأمر أصبح يتعدى الحدود حيث بلغ إنسلاخهم عن هويتهم لدرجة نكرانها و التمسك بكل ماهو جزائري مدعين أنه ينتمي إليهم. فبدلا من صناعة طابع أو لون يتميزون به أصبحوا يعتدون على كل ما هو جزائري و يعيدون استنساخه و صياغته؛ و يطلقون عليه إسمًا جديدًا من تأليفهم و ما أبرعهم في تأليف الاسماء! فلا يوجد أحسن من المغاربة في إبتكار اسم جديد و إطلاقه على مسروقاتهم الجزائرية. و هذا ما حدث مع أغنية "احكي يا زمان" التي تم سرقة لحنها و كلماتها و تحويلها إلى أغنية أخرى عنوانها "شكون كان يقول" بلهجة جزائرية محضة.

كان رد الجزائريين على أغنية بلقيس صارمًا جدًا و إتهموها بالتواطئ مع المغاربة في سرقة التراث الجزائري الغنائي؛ لكن الأخيرة لم ترد و إلتزمت الصمت التام على كل ما يأتيها من هجوم آبيةً عدم الرد؛ و كأنها فعلا تعلن تواطئها مع الملحن المغربي في عملية السرقة التي تمت. كما شمل هجوم الجزائريين على المغني الجزائري كادار الجابوني صاحب الأغنية الأصلية و طالبوه بتقديم شكوى إلى إدارة اليوتيوب من أجل حذف الاغنية من قناة "اللصة بلقيس" على حسب أقوالهم؛ مأكدين أنهم ملوا من الإعتداءات المتكررة للمغاربة على كل ما هو جزائري بهدف صنع هوية مزيفة لهم لن يكونو فيها إلا تقليدًا لأصل عريق. لكن "الشاب كادار" إلتزم الصمت و إختار تجاهل مطالب جمهور بلده، ليس هذا فحسب بل قام في خطوة مفاجئة بمسح مئات التعاليق التي طالبته برفع دعوى قضائية و محاسبة سارقين أغنيته و المتطاولين على التراث الجزائري. فهل يُعد هذا تواطئًا منه و دعمًا علنيًا لأعداء تراث بلده الجزائر! خصوصًا أنه يشتهر بزياراته المتكررة لدولة المغرب و القيام بالعديد من الحفلات هناك بالإضافة إلى المشاركة في المهرجانات بما أن "الراي الجزائري" لديه شعبية كبيرة في أوساط المغاربة.

و في ظل التساؤلات الكثيرة المحاطة بمصير الأغنية تبين لاحقا من عدة مصادر أن حقوق الأغنية تعود إلى المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري ولا دخل للمدعو الشاب كادير الجابوني بالأمر. فهل سنرى تدخل من الأخيرة لردع الإعتداءات المتكررة التي لا نهاية لها على التراث الجزائري الذي يمثل هوية الجزائريين أبا عن جد؟ أم سيستمر الصمت الى أن يتم تجريد الجزائر من هويتها دون أن يترك لها شيء يميزها و تنفرد به من طرف "بلد غر" يريد صناعة هوية في القرن الواحد و العشرين جاهلا تماما أن تقسيم الهويات تم في فترات ما قبل الميلاد؛ و نحن في عصر "الميديا" بحيث حبل السارقين قصير بقدر قصر حبل الكاذبين و هم يجمعون كلتا الصفتين معا.

و يلاحظ من خلال كلمات الأغنية أن المغربي يونس آدم الذي إدعى كتابة و تلحين تتر مسلسل "بين لقصور" لم يتعب نفسه في إخفاء التشابه في الكلمات؛ فقد إستخدم معظم كلمات أغنية "احكي يا زمان" تقريبا. حيث كرر كلمة "زمان" في الأغنية بدل المرة مرتين؛ و حول جملة "الخاوة لي كانت خاوة و اليوم ولات عداوة" إلى "شكون كان يقول الخاوة تولي عداوة" كما حول جملة "الطريق العوجة شا داني نديها" إلى "طريق الحرام غاتديهم"؛ ناهيك عن استعمال كلمات جزائرية محضة غير موجودة في الدارجة المغربية مثل "حسبتو" و "واش" و "حاكموا" و "الخاوة" و "تولي" فهذه كلها كلمات جزائرية قحة غير مستعملة من طرف المغاربة. و كأنه تصريح صريح من المعني بالسرقة و بدل أن يعترف بفعلته و يعتذر نشر أكثر من ستوري على انستغرام ينسب فيه الأغنية لنفسه مؤكدا مقولة الاخوة المصريين "لي اختشوا ماتوا".

بإلقاء نظرة عامة؛ تصدير المغاربة اللهجة الجزائرية إلى المشرق العربي مدعين أنها لهجتهم ليس غريبا أبدا. فقد أثبته المغني المغربي الشهير "حاتم عمور" حينما قال بالكلمة الواحدة "ولينا جزائر" بما ما عناه "أصبحنا الجزائر" وهذا بعد أن أصبح جل الفنانين المغاربة يغنون باللهجة الجزائرية و ركنوا الدارجة المغربية على جنب. كما أكده كاتب و موزع مغربي مشهور بقوله في إحدى المقابلات التلفزيونية أن الفنانين المشارقة يتصلون به ليطلبوا أغاني مغربية و عندما يسمعهم أغاني باللهجة يمتعضون و يرفضونها طالبين لهجة  بسيطة الكلمات و خالية من التعقيد؛ فيقدم لهم بدوره أغنية بلهجة بيضاء مختلفة عن الدارجة المغربية؛ وعندما يقول المغاربة لهجة بيضاء فهم يقصدون اللهجة الجزائرية التي تعرف ببساطتها و كلماتها المميزة.

وسط كل هذه الانتهاكات و التطاولات ضد كل ما هو جزائري لا تزال "أغنية شكون كان يقول" موجودة على اليوتيوب و قد مر على نشرها 16 يوم؛ دون إعلان أي جهات جزائرية تدخلهم لإسترجاع حقوق الملكية للأغنية؛ بالرغم من مطالب الجزائريين بوضع حد لهذه التطاولات المتكررة و المقصودة على تراثهم برفع قضية ضد المدعوة بلقيس و المشاركين لها في هذا العمل لحذف الأغنية نهائيا و بأسرع وقت ممكن مؤكدين أن المساس بتراثهم موضوع لم يعد السكوت عليه محتملا. و في نهاية كل هذا يتبقى سؤال واحد لطرحه هل سوف نرى تدخلا رادعا من طرف المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري مالكة حقوق الأغنية أم سيستمر هذا السكوت المر الى ما لا نهاية؟.